ليس بسبب الدروز... بل بسبب سياسة صفر تحالفات

الكاتب: اتحاد سوريا العهد الجديد تاريخ النشر: آخر تحديث: وقت القراءة:
للقراءة
عدد الكلمات:
كلمة
عدد التعليقات: 0 تعليق

أ. علاء الباشا يكتب: من يظن أن استهداف دمشق بسبب الدروز واهم، إمّا أن يكون أمن سوريا تحت مظلة حليف دولي… أو تُكسَر الثقة بالقوة.. الثقة لا تكفي.


سلسلة انفجارات في قلب دمشق، هي أعمق ضربة تُنفذ داخل العاصمة منذ انهيار نظام الأسد أواخر العام الماضي.
فهل كانت الضربة التي استهدفت قلب دمشق: بسبب غيرة اسرائيل على الدروز أم كانت رسالة لإجبار سوريا الجديدة على الخروج من حيادها العسكري؟

بين الاعتراف والثقة: سوريا بلا اتفاقات دفاع

ففي بلد شهد انتقالًا غير مسبوق في السلطة منذ عقد، يقف الرئيس الجديد أحمد الشرع أمام أول اختبار وجودي منذ توليه السلطة، فقد مضت القيادة بخطوات محسوبة نحو إعادة بناء الدولة ومؤسساتها المدنية والاقتصادية. أبرمت اتفاقات تعاون مع عدة دول في مجالات الطاقة والبنية التحتية، واستأنفت التفاوض مع دول أخرى ، بل حتى سمحت بدخول فرق تقييم من الأمم المتحدة لإعادة الإعمار.

ومع ذلك، ظل قطاع الأمن والدفاع خارج أي اتفاق رسمي أو شراكة واضحة. لا مع دول الجوار، ولا مع أي قوة إقليمية أو دولية. والنتيجة؟ فراغ أمني تحوّل إلى هدف عسكري مكشوف.


الضربة كإشارة: من المستفيد من جرّ سوريا؟

لا يبدو أن الضربة الإسرائيلية مجرد رد تكتيكي على تهديد عسكري قائم ضد العمليات التي يشهدها الجنوب السوري. حتى الأوساط العسكرية الغربية تعترف أن الجيش السوري في وضع دفاعي بالكامل ولا يشكل أي خطر، وأن محاولته دخول السويداء هي لضبط الأمن وأبعد ما يكون عن امتلاك نية التطهير العرقي أو الديني .

ولكن قد يكون الهدف أعمق: إرسال رسالة قسرية للنظام الجديد بأن "الحياد الأمني" في هذه المنطقة وهم، وأن تجاهل المكون العسكري في التحالفات الإقليمية له ثمن باهظ.
بمعنى آخر: هل الضربة دعوة غير معلنة لسوريا لاختيار حليف؟

تركيا في مقعد المراقب: شريك اقتصادي... لا عسكري

تركيا، التي كانت حتى وقت قريب خصمًا مباشرًا للنظام السوري، تحوّلت تدريجيًا إلى الشريك الأقرب للقيادة الجديدة. زيارات متكررة، لجان مشتركة، وخطوات لإعادة فتح الحدود. لكن رغم كل ذلك، لم تترجم هذه العلاقة إلى اتفاق دفاعي أو تعاون عسكري، على الأقل بشكل علني.

ويبقى السؤال مفتوحًا: هل امتنعت تركيا عن عرض هذا النوع من الدعم؟ أم أن سوريا الجديدة رفضت ربط مصيرها الأمني بدولة واحدة؟ وفي الحالتين، النتيجة واحدة: دمشق تُترك لتواجه وحدها اختبار الردع الإسرائيلي.

الشرع بين خيارين: السيادة أو الحماية؟

اليوم أمام الرئيس الشرع خياران أحلاهما مُر. إما أن يستمر في مسار الاستقلال العسكري الذاتي — وهو مسار نظريًا نبيل، لكنه عمليًا غير قابل للحياة في منطقة كثيفة بالتهديدات واللاعبين المتربصين. أو أن يبدأ بفتح قنوات دفاعية جديدة، سواء مع تركيا أو دول خليجية، أو عبر صيغة إقليمية متعددة الأطراف — وهو ما قد يُفقده جزءًا من صورة "الرئيس المحايد" التي بنى عليها شرعيته في الداخل والخارج.

ليس سؤال "من ضرب؟" بل "لماذا الآن؟"

من يظن أن استهداف إسرائيل لمقر القيادة العامة للجيش السوري في دمشق جاء ردًا على أحداث متفرقة تتعلق بالدروز، فهو لا يرى الصورة الكاملة. فقط قبل يومين، صرّح المبعوث الأميركي إلى سوريا، توماس باراك، بعد لقائه بالرئيس أحمد الشرع، محذرًا من أن "لبنان قد يعود جزءًا من بلاد الشام" — تصريحٌ فُهم على نطاق واسع أنه ضغط مبطن لنزع سلاح حزب الله وتقليم نفوذه وتهديد بالقيادة السورية.

ثم جاءت الضربة الإسرائيلية بعد أيام . الصدفة؟ مستبعدة.

الرسالة واضحة: إما أن يوضع الأمن والجيش السوري تحت مظلة حليف دولي أو عضو في الناتو، أو يتم تقويض الثقة بالنظام الجديد بالقوة. ويبدو أن القيادة السورية رفضت هذا الإملاء، وفضّلت التريث في الدخول بتحالف عسكري يُلزمها بأجندة إقليمية لا تملك فيها القرار، والدليل على هذا قلة الدعم المادي واللوجستي.

فالبرود الظاهر في العلاقة السورية–مع أصدقاء الشعب السوري خلال الأسابيع الأخيرة، رغم التعاون الاقتصادي النشط، ليس إلا انعكاسًا لهذا التباين الأمني. الشرع لم يوقّع ولم يقبل الوصاية. فكان الرد: ضربة إسرائيلية في قلب دمشق.

الرسالة: الثقة وحدها لا تكفي.

ختام: هل يُدفع الشرع دفعًا نحو محور؟

قد يكون الرئيس السوري الجديد راغبًا فعلًا في سياسة "صفر تحالفات عسكرية"، لكنه يعيش في واقع لا يرحم الحياد. فالهجوم الأخير لم يكن فقط اختبارًا لقدرات الجيش، بل اختبارًا لقدرة القيادة على اختيار لحظة الانحياز الضروري.
ويبقى السؤال: هل ستملي السماء على الشرع ما تردد في توقيعه على الأرض أم سيتم تقييد سلطته بنظام وسائد الأقليات المنتشرة بين هنا وهناك؟


بقلم أ. علاء الباشا / متخصص في الشؤون السياسية وإدارة الأزمات




التصنيفات

قد تُعجبك هذه المشاركات

إرسال تعليق

ليست هناك تعليقات

8301667542222144432

العلامات المرجعية

قائمة العلامات المرجعية فارغة ... قم بإضافة مقالاتك الآن

    البحث